فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي أنوار التنزيل أن المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن، واعترض عليه بالمنع.
وفي الكشف أن هذا ليس من التفسير بالجمل في شيء حتى يعترض بأنه من خواص ضمير الشأن الواجب التصدير وإنما هو نظير: {ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بنى} [البقرة: 132] إلخ.
وتعقب بأن في تلك الآية تفسير جملة وهذه فيها تفسير ضمير بجملة.
وفي الكشاف جعل: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} هو المفسر وفيه خفاء لأن ذلك مقول القول.
واستدل بعضهم بالآية على إثبات الكلام النفسي بجعل: {قَالَ} بدلًا من أسر ولعل الأمر لا يتوقف على ذلك لما أشرنا إليه من أن المراد قال في نفسه، نعم قال أبو حيان: إن الظاهر أنه عليه السلام خاطبهم وواجههم به بعد أن أسر كراهية مقالتهم في نفسه وغرضه توبيخهم وتكذيبهم، ويقويه أنهم تركوا أن يشفعوا بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة له بأبيه وفيه نظر.
وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة: {فأسره} بتذكير الضمير: {مَّكَانًا والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} أي عالم علمًا بالغًا إلى أقصى المراتب بإن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا، فصيغة أفعل لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه تعالى على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم قاله غير واحد.
وقال أبو حيان: إن المعنى أعلم بما تصفون به منكم لأنه سبحانه عالم بحقائق الأمور وكيف كانت سرقة أخيه الذي أحلتم سرقته عليه فأفعل حينئذ على ظاهره.
واعترض بأنه لم يكن فيهم علم والتفضيل يقتضي الشركة، وأجيب بأنه تكفي الشركة بحسب زعمهم فإنهم كانوا يدعون العلم لأنفسهم، ألا ترى قولهم: {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} جزمًا.
{قَالُواْ} عندما شاهدوا مخايل أخذ بنيامين مستعطفين: {تَصِفُونَ قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} طاعنًا في السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالة به يتعلل عن شقيقه الهالك، وقيل: أراد مسنًا كبيرًا في القدر، والوصف على القولين محط الفائدة وإلا فالإخبار بأن له أبا معلوم مما سبق: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} بدله فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتم إحسانك فما الإنعام إلا بالإتمام أو من عادتك الإحسان مطلقًا فاجر على عادتك ولا تغيرها معنا فنحن أحق الناس بذلك، فالإحسان على الأول خاص وعلى الثاني عام، والجملة على الوجهين اعتراض تذييلي على ما ذهب إليه بعض المدققين، وذهب بعض آخر إلى أنه إذا أريد بالإحسان الإحسان إليهم تكون مستأنفة لبيان ما قبل إذ أخذ البدل إحسان إليهم وإذا أريد أن عموم ذلك من دأبك وعادتك تكون مؤكدة لما قبل وذكر أمر عام على سبيل التذييل أنسب بذلك.
{قَالَ مَعَاذَ الله} أي نعوذ بالله تعالى معاذًا من: {أَن نَّأْخُذَ} فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافًا إلى المفعول به وحذف حرف الجر كما في أمثاله: {إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} لأن أخذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلال بموجبها: {إِنَّا إِذَا} أي إذا أخذنا غير من وجندا متاعنا عنده ولو برضاه: {لظالمون} في مذهبكم وشرعكم وما لنا ذلك، وإيثار صيغة المتكلم مع الغير مع كون الخطاب من جهة اخوته على التوحيد من باب السلوك إلى سنن الملوك وللإشعار بأن الأخذ والإعطاء ليس مما يستبد به بل هو منوط بآراء أهل الحل والعقد، وإيثار: {مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} على من سرق متاعنا الأخضر لأنه أوفق بما وقع في الاستفتاء والفتوى أو لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب في الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحملون وجدان الصواع عنده على محمل غير السرقة، والمتاع اسم لما ينتفع به وأريد به الصواع، وما ألطف استعماله مع الأخذ المراد به الاسترقاق والاستخدام وكأنه لهذا أوثر على الصواع، والظاهر أن الأخذ في كلامهم محمول على هذا المعنى أيضًا حقيقة.
وجوز ابن عطية أن يكون ذلك مجازًا لأنهم يعلمون أنه لا يجوز استرقاق حر غير سارق بدل من قد أحكمت السنة رقه فقولهم ذلك كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله، ثم قال: وعلى هذا يتجه قول يوسف عليه السلام: {مَعَاذَ الله} لأنه تعوذ من غير جائز، ويحتمل أن لا يريدوا هذا المعنى، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك الحمالة أي خذ أحدنا وأبقه عندك حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه فيعرفه جلية الحال اه وهو كلام لا يعول عليه أصلًا كما لا يخفى؛ ولجواب يوسف عليه السلام معنى باطن هو أن الله عز وجل إنما أمرني بالوحي أن آخذ بنيامين لمصالح علمها سبحانه في ذلك فلو أخذت غيره كنت ظالمًا لنفسي وعاملًا بخلاف الوحي. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}
هذا تنصل منهم إلى العزيز بالتشبيه به أي: إن هذا فعل كما فعل أخ له من قبل، يعنون به يوسف.
{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} أي: منزلة، حيث سرقتم أخاكم من أبيكم، ثم طفقتم تفترون على البريء.
{وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} أي: من أمر يوسف.
{قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} لما تعين أخذ بنيامين وإبقاؤه عند يوسف بمقتضى فتواهم، طفقوا يعطفونه عليهم، بأن له أبًا شيخًا كبيرًا يحبه حبًا شديدًا يتسلى به عن أخيه المفقود، فخذ أحدنا بدله رقيقًا عندك.
قال بعضهم: الفقه من هذه الجملة أن للكبير حقًا يتوسل به، كما توسلوا بكبر يعقوب. وقد ورد في الاستسقاء إخراج الشيوخ. انتهى.
وفي ما عزموا عليه لإنقاذ أخيهم من شرك العبودية، المقضي عليه بها، ما يشفّ عن حسن طوية، ووفاء بالوعد، ويعرب عن أمانة، وصدق بر، وشدة تمسك بموثق أبيهم، محافظة على رضاه وإكرامه، وهكذا فليتمسك البار بمراضاة أبويه.
وقولهم: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي: إلينا، فأتمم إحسانك بهذه التتمة. أو من المتعودين بالإحسان، فليكن هذا منه.
{قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ} أي: إن أخذنا بريئًا بمتهم؛ لأنه لا يؤخذ أحد بجرم غيره. قال بعضهم: إلا ما ورد في العقل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
لما بُهتوا بوجود الصُّوَاع في رحل أخيهم اعتراهم ما يعتري المبهوت فاعتذروا عن دعواهم تنزههم عن السرقة، إذ قالوا: {وما كنا سارقين} [سورة يوسف: 73]، عذرًا بأن أخاهم قد تسرّبت إليه خصلة السرقة من غير جانب أبيهم فزعموا أن أخاه الذي أشيع فقده كان سرق من قبلُ، وقد علم فتيان يوسف عليه السلام أن المتهم أخ من أمّ أخرى، فهذا اعتذار بتعريض بجانب أمّ أخويهم وهي زوجة أبيهم وهي (راحيل) ابنة (لابان) خاللِ يعقوب عليه السلام.
وكان ليعقوب عليه السلام أربع زوجات: (راحيل) هذه أم يوسف عليه السلام وبنيامين؛ و (لِيئة) بنت لابان أخت راحيل وهي أم رُوبين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وبساكر، وزبولون؛ و (بُلْهَة) جارية راحيل وهي أم دانا، ونفتالي؛ و (زُلفة) جارية راحيل أيضًا وهي أم جاد، وأشير.
وإنما قالوا: {قد سرق أخ له من قبل} بهتانًا ونفيًا للمعرة عن أنفسهم.
وليس ليوسف عليه السلام سرقة من قبل، ولم يكن إخوة يوسف عليه السلام يومئذٍ أنبياء.
وشتان بين السرقة وبين الكذب إذا لم تترتب عليه مضرة.
وكان هذا الكلام بمسمع من يوسف عليه السلام في مجلس حكمه.
وقوله: {فأسرها يوسف} يجوز أن يعود الضمير البارز إلى جملة: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} على تأويل ذلك القول بمعنى المقالة على نحو قوله تعالى: {إنها كلمة هو قائلها} بعد قوله: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت} [سورة المؤمنون: 99].
ويكون معنى أسرها في نفسه أنه تحملها ولم يظهر غضبًا منها، وأعرض عن زجرهم وعقابهم مع أنها طعن فيه وكذب عليه.
وإلى هذا التفسير ينحو أبو علي الفارسي وأبو حيان.
ويكون قوله: {قال أنتم شر مكانا} كلامًا مستأنفًا حكايةً لما أجابهم به يوسف عليه السلام صراحة على طريقة حكاية المحاورة، وهو كلام موجه لا يقتضي تقرير ما نسبوه إلى أخي أخيهم، أي أنتم أشدّ شرًّا في حالتكم هذه لأنّ سرقتكم مشاهدة وأما سرقة أخي أخيكم فمجرد دعوى، وفعل: {قال} يرجح هذا الوجه.
ويجوز أن يكون ضمير الغيبة في: {فأسرها} عائد إلى ما بعده وهو قوله: {قال أنتم شر مكانا}.
وبهذا فسر الزجاج والزمخشري، أي قال في نفسه، وهو يشبه ضمير الشأن وَالقصة، لكن تأنيثه بتأويل المقولة أو الكلمة، وتكون جملة: {قال أنتم شر مكانا} تفسيرًا للضمير في: {أسرها}.
والإسرار، على هذا الوجه، مستعمل في حقيقته، وهو إخفاء الكلام عن أن يسمعه سامع.
وجملة: {ولم يبدها لهم} قيل هي توكيد لجملة: {فأسرها يوسف}.
وشأن التوكيد أن لا يعطف.
ووجه عطفها ما فيها من المغايرة للتي قبلها بزيادة قيد لهم المشعر بأنه أبدى لأخيه أنهم كاذبون.
ويجوز أن يكون المراد لهم يُبدِ لهم غَضَبًا ولا عقابًا كما تقدم مبالغة في كظم غيظه، فيكون في الكلام تقدير مضاف مناسب، أي لم يُبْد أثرها.
و{شرّ} اسم تفضيل، وأصله أشرّ، و: {مكانا} تمييز لنسبة الأشَرّ.
وأطلق المكان على الحالة على وجه الاستعارة، والحالة هي السرقة، وإطلاق المكان والمكانة على الحالة شائع.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} في آخر سورة الأنعام (135)، وهو تشبيه الاتّصاف بوصف مّا بالحلول في مكان.
والمعنى أنهم لما علّلوا سرقة أخيهم بأن أخاه من قبل قد سرق فإذا كانت سرقة سابقة من أخ أعدّت أخاه الآخر للسرقة، فهم وقد سبقهم أخَوَانَ بالسرقة أجدر بأن يكونوا سَارقين من الذي سبَقه أخ واحد.
والكلام قابل للحمل على معنى أنتم شر حالة من أخيكم هذا والذي قبله لأنهما بريئان مما رميتموهما به وأنتم مجرمون عليهما إذ قذفتم أولهما في الجب، وأيدتم تهمة ثانيهما بالسرقة.
ثم ذيله بجملة {والله أعلم بما تصفون}، وهو كلام جامع أي الله أعلم بصدقكم فيما وصفتم أو بكذبكم.
والمراد: أنه يعلم كذبهم، فالمراد: أعلم لحال ما تصفون.
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا}
نَادَوْا بوصف العزيز إمّا لأنّ كلّ رئيس ولاية مهمة يدعى بما يرادف العزيز فيكون يوسف عليه السلام عزيزًا، كما أن رئيس الشرطة يدعى العزيز كما تقدم في قوله تعالى: {امرأة العزيز} [سورة يوسف: 30]؛ وإما لأن يوسف ضمت إليه ولاية العزيز الذي اشتراه فجمع التصرفات وراجعوه في أخذ أخيهم.
ووصفوا أباهم بثلاث صفات تقتضي الترقيق عليه، وهي: حنان الأبوة، وصفة الشيخوخة، واستحقاقه جبر خاطره لأنه كبير قومه أو لأنه انتهى في الكِبر إلى أقصاه؛ فالأوصاف مسوقة للحث على سراح الابن لا لأصل الفائدة لأنهم قد كانوا أخبروا يوسف عليه السلام بخبر أبيهم.
والمراد بالكبير: إما كبير عشيرته فإساءته تسوءهم جميعًا ومن عادة الولاة استجلاب القبائل، وإما أن يكون {كبيرًا} تأكيدًا ل: {شيخا} أي بلغ الغاية في الكبر من السن، ولذلك فرّعوا على ذلك: {فخذ أحدنا مكانه}، إذ كان هو أصغر الإخوة، والأصغر أقرب إلى رقة الأب عليه.
وجملة: {إنا نراك من المحسنين} تعليل لإجابة المطلوب لا للطلب.
والتقدير: فلا تردّ سوءالنا لأنّا نراك من المحسنين فمثلك لا يصدر منه ما يسوء أبًا شيخًا كبيرًا.
والمكان: أصله محل الكون أي ما يستقر فيه الجسم، وهو هنا مجاز في العوض لأن العوض يضعه آخذه في مكان الشيء المعوّض عنه كما في الحديث: «هذه مَكانُ حجتك».
و{معاذ} مصدر ميمي اسم للعوْذ، وهو اللجَأ إلى مكان للتحصن.
وتقدم قريبًا عند قوله: {قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي} [سورة يوسف: 23].
وانتصب هذا المصدر على المفعولية المطلقة نائبًا عن فعله المحذوف.
والتقدير: أعوذ بالله مَعاذًا، فلما حُذف الفعل جعل الاسم المجرور بباء التعدية متصلًا بالمصدر بطريق الإضافة فقيل: معاذَ اللّهِ، كما قالوا: سبحان الله، عوضًا عن أسبح الله.
والمستعاذ منه هو المصدر المنسبك من {أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده}.
والمعنى: الامتناع من ذلك، أي نلجأ إلى الله أن يعصمنا من أخذ من لا حق لنا في أخذه، أي أن يعصمنا من الظلم لأن أخذ من وُجِد المتاع عنده صار حقًا عليه بحكمه على نفسه، لأن التحكيم له قوة الشريعة.
وأما أخذ غيره فلا يسوغ إذ ليس لأحد أن يسترقّ نفسه بغير حكم، ولذلك علل الامتناع من ذلك بأنه لو فعله لكان ذلك ظلمًا.
ودليل التعليل شيئان: وقوع: {إنّ} في صدر الجملة، والإتيانُ بحرف الجزاء وهو: {إذن}.
وضمائر: {نأخذ} و: {وجدنا} و: {متاعنا} و: {إنا} و: {لظالمون} مراد بها المتكلم وحده دون مشارك، فيجوز أن يكون من استعمال ضمير الجمع في التعظيم حكاية لعبارته في اللغة التي تكلم بها فإنه كان عظيم المدينة.
ويجوز أن يكون استعمل ضمير المتكلم المشارك تواضعًا منه تشبيهًا لنفسه بمن له مشارك في الفعل وهو استعمال موجود في الكلام.
ومنه قوله تعالى حكاية عن الخضر عليه السلام: {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربهما} الآية من سورة الكهف (80).
وإنما لم يكاشفهم يوسف عليه السلام بحاله ويأمرهم بجلب أبيهم يومئذٍ: إمّا لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا لبنيامين فيزعموا أنهم يرجعون جميعًا إلى أبيهم فإذا انفردوا ببنيامين أهلكوه في الطريق، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك المدة عداوة فخاف إن هو جلَب عَشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريّث إلى أن يجد فرصة لذلك، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو يسيءُ ظنه، فترقب وفاة الملك أو السعي في أرضائه بذلك، أو أراد أن يستعلم من أخيه في مدة الانفراد به أحوال أبيه وأهلِهم لينظر كيف يأتي بهم أو ببعضهم، وسنذكره عند قوله: {قال هل عَلمتم ما فعلتم بيوسف} [سورة يوسف: 89]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
وهكذا ادَّعَوْا أن داء السرقة في بنيامين قد سبقه إليه شقيق له من قبل، وقالوا ذلك في مجال تبرئة أنفسهم، وهكذا وَضُحَتْ ملامح العداوة منهم تجاه يوسف وأخيه.
وقولهم: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ..} [يوسف: 77].